هيئة كتابة الضبط ودورها وأهميتها في المحاكم المغربية | لخدمة المواطن

كتابة الضبط وأهمية تواجدها ودورها في المحاكم المغربية


أهمية تواجد هيئة كتابة الضبط في المحاكم لوزارة العدل
دور هيئة كتابة الضبط في المحاكم



القضاء في خدمة المواطن ودور هيئة كتابة الضبط




أهمية تواجد هيئة كتابة الضبط في المحاكم

لا شك أن القفزة النوعية التي تعرفها الدولة المغربية منذ إعتلال جلالة الملك محمد السادس لسدة العرش قد أدخلت كل مكونات المملكة في خضم النهضة و التقدم،هذا الأخير الذي عرف مسارا جديد بصدور الدستور الجديد المصوت عليه في استفتاء الفاتح من يوليو من سنة 2011 و الذي إختار من خلاله المغاربة مسايرة الربيع العربي, لكن بخصوصية مغربية قحة من جهة،و مواكبا للتطورات التي تعرفها الساحة العالمية من جهة أخرى. و كطفرة نحو تحقيق الرقي بالإنسان في كافة المجالات ما دام أن الأخير يعتبر العنصر الهدف في كل مشروع إجتماعي أو إقتصادي أو سياسي.
و تظل المؤسسة القضائية من بين المؤسسات التي حظيت بالأولوية سواء مـن طرف عاهل البلاد، أو الحكومة،أو القوى السياسية،أو مختلف مكونات المجتمع المدني . ذلك لأن القضاء يعد الركيزة التي إن صلحت صلحت معها الدولة ما دام أنة يسعى إلى تقوية دور المؤسسات و سيادة القانون،وتحصين المجتمع ، و تعزيز الأمن و الطمأنينة ، وتشجيع الإستثمارو دعم التنمية الشاملة و المستدامة.

وقد عرفت المؤسسة القضائية كغيرها من المؤسسات الأخرى مجموعة من الإصلاحات لتفعيل الدور المنوط بها ،هذا الإصلاح الذي أعطاه جلالة الملك مفهوما جديدا من خلال خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لسنــة 2010 و المتمثل في ” القضاء في خدمة المواطن ” و ذلك إيمانا منه بالمزايـا و الضمانات التي يحمله هذا المشروع الإصلاحي الساعي إلى الرقي بالعلاقة القائمة بين المؤسسة القضائية و العاملين بها من ناحية، وبين هؤلاء و عموم المواطنين من ناحية ثانية، بل ويظل المواطن العنصر الأهم في هذه العلاقة.

و تكريسا لمسلسل الإصلاح فقد عمد المشرع إلى تبني مجموعة من التعديلات في المنظومة القانونية مسايرة للتطورات و المتغيرات التي يعرفها المجتمع،أهمها التعديلات التي طالت التنظيم القضائي للمملكة سيما ما بات يصطلح عليه ب” قضاء القرب ” و الذي يظل في نظرنا الشخـــصي من الوسائل التي ستعطي المعنى الحقيقي لمفهوم القضاء في خدمة المواطن على أرض الواقع.
و لا أحد يجادل اليوم أو ينازع في الدور الفعال و الحيوي الذي تضطلع به هيئة كتابة الضبط داخل المنظومة القضائية،حيث أصبح الإعتراف بهـــذه الحقيقة من البديهيات التي تفرض نفسها على كل متعامل مع المحاكم، فهـــي ليست بمؤسسة حديثة ولا دخيلة على النظام القضائيالمغربيإذ أننا نجد لها جذورا في النظام القضائي الإسلامي الذي لايستكملكل مقوماته إلا بحضور الكتاب الذين يكتبون ما جرى بين الخصوم،و تدوين ما توجب لهم من حقوق و ما يتحملونهم من التزامات.
و لا مبالغة إن سايرنا القائلين بأن كتابة الضبط هي العمود الفقري للمحكمة و قلبها النابض مادام القضاء لايستطيع القيام بدوره على أتم وجه و تأدية الرسالة المنوطة به من دون هذا الجهاز المهم، فكتابة الــضبط تتدخل في العمل القضائي في كافة النواحي و المراحل بدءا بمرحلة إعداد القضايا، مرورا بمرحة مواكبتها أثناء سيريانها أمام المحكمة ، ليمتد الـدور إلى ما بعد صدور الأحكام أي مرحلة التنفيذ.
كما أن هذه الأهمية تظهر جليا في كون هيئة كتابة الضبط هي الواجهة الأمامية للعلاقة الرابطة بين المحاكم و الوافدين عليها و ما يعنيه ذلك التفاعلات و الإنفعالات التواصلية بكل مكوناتها.
و لكون هذه الهيئة تعد من الأوراش المعنية بالإصلاح نهوضا بدور القضاء من جهة، و نظرا لما تحظى به كتابة الضبط داخل أسرة العدالة لدرجة أن جلالة الملك ربط بين النهوض بأوضاعها و إصلاح القطاع وذلك بوضع نظام أساسي محصن و محفز خاص بها من جهة ثانية. فسنعمل على الحديث عن هذا الجهاز و دوره في تفعيل مبدأ ” القضاء في خدمة المواطن ” من خلال إعطاء بعض المقترحات العملية المساعدة في ذلك، لكن قبل التطرق لهذه النقطة سنسلط الضوء أولا على المسيرة الإصلاحية التي عرفها قطاع العدل، كنقطة بداية لمشروع الإصلاح بمفهومه الجديد،ثم بعدها نتطرق للحديث عن مؤسسة قضاء القرب كنموذج تطبيقي لقضاء في خدمة المواطنين ،وكذا مكانة السلطة القضائية ضمن الدستور الجديد للمملكة.
و عليه سنتناول هذا الموضوع من خلال فصلين أساسين كالتالي : الفصل الأول: القضاء في خدمة المواطن الفصل الثاني: دور كتابة الضبط في تفعيل المبدأ
الفصل الأول: القضاء في خدمة المواطن
إلماما بهذا الفصل من كل النواحي سنتناوله من خلال مباحث أربعة نخصص الأول للحديث عن مشروع الإصلاح القضائي كنقطة البدايـة، و الثاني للمفهوم الجديد لإصلاح القضاء،بينما نتطرق في المبحث الثالث إلى قضاء القرب، و أخيرا الإشارة إلى أهم المستجدات التي أتى بهـا الدستور الجديد للمؤسسة القضائية.

المبحث الأول: مشروع الإصلاح القضائي
يعتبر إصلاح القضاء من الأمور و القضايا التي أسالت العديد من الأقلام المهتمة بالشأن القضائي بالمملكة، و من مواضيع الساعة التي ما فتئت كل الفعاليات الحقوقية و السياسية و الفكرية تدعوا إليه لما يحظى به القضاء من أهمية قصوى تتجلى في كونه يعد من الدعامات الأساسية لدولة الــحق و القانون،و ترسيخ قيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. كما أن الصرح الديموقراطي في الدولة يستوجـب وجود عدالة متميزة بالإستقلالية و النزاهة و الحياد حتى تستطيع فض كل النزاعات و الخلافات القائمة بين الأفراد و الجماعات و الدولة إحقاقا للحق و رفعا للظلم و إرجاع المظالم إلى أهلها،لأن الهدف من كل ذلك هو إنجاح الأوراش الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و المدنية للدولة.
و من أجل الوصول إلى إصلاح قضائي شامل و حقيقي فقد اتتفق أغلب المهتمين على نقاط أساسية يجب تحقيقها حتى يمكن الوصول ما أمكن للهدف المنشود من المشروع الإصلاحي و التى يمكن أن نلخصها فـي النقاط العريضة التالية

أولا: إستقلال القضاء
يعد موضوع إستقلال القضاء أهم المواضيع التي حظيت بإجماع الكل باعتباره الشق المختزل لمضمون الإصلاح،ونعتقد جازمين أن الغاية من تبني المشروع الإصلاحي للقضاء إنما يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الإستقلالية أولا وأخيرا لهذه المؤسسة الحيوية في كيان الدولة.
و لقد تعددت الأطروحات و وجهات النظر التي سعى من خلالها أصحابها إلى إعطاء السبل و المقترحات للوصول إلى هذه الإمكانية فتم الـتركيز أولا على مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء حيث رفعت الأصوات من أجل إعــادة النظر في تأليفه و ما أثاره ذلك من جدل واسع،فإن كانت رئاسة المجلس الموكولة للملك لا تثير أية إشكالية كما هو الحال بالنسبة لمختلف الدول. فإن عكس ذلك يحصل حين الحديث عن عن وزير العدل بصفته عضوا في السلطة التنفيذية،والحال أن من الضمانات الأساسية لإستقلال القضاء تتمثل في الفصل بين السلطة القضائية و السلطتين التشريعية و التنفيذية . و بالتالي و جب إسناد النيابة عن السلطة الدستورية الأولى التي هي الملك للقضاة أنفسهم.
كما أن الإستقلالية قد ربطها البعض بسلوك القاضي و شخصيته،و اعتبر أن النصوص القانونية تبقى غيرذي أهمية إن كان القاضي الذي سوف يطبقها غير أهل لذلك.أي أن صفات القاضي الشخصية هي التي تحقق الأستقلال للقضاء قبل النصوص الدستورية و القانونية.
و في هذا الإطار فنحن نشاطر – و بكل إلحاح – رأي القائلين بضرورة الإلتفات للحالة المادية و الإجتماعية للسادة القضاة،لأن عجز الـقاضي عن تلبية حاجياته و حاجيات أسرتة اليومية قد يجعل مناعته تضعف ضد الإغراءات و المؤثرات،و بالتالي المساس باستقلاليته و استقلالية القضـاء ككل.
إجمالا فاستقلال السلطة القضائية إن توفرت فنتائج ذلك ستترجم إلى ضمان الإستقرار السياسي و الرقي بالعدالة التي تعتبر العنصر الحاسم في تنـمية إقتصاديات قوية و منيعة و مشجعة للإستثمارات الوطنية و الأجنبية،و دفعا بعجلة النمو الإقتصادي و التطور الإجتماعي و السياسي للبلاد.

ثانيا: الترسانة القانونية
لقد أصبح تعديل القواعد القانونية أمرا حتميا حتى تكون أكثر انسجاما و متطلبات العصر و ملائمتها للمواثيق و الإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان،و يعد الدستور المغربي من المواد التي حظيـت بالأولوية باعتباره أسمى قانون في الدولة . فتعديله وفق ما يخدم المصلحة القضائية سيكون الخطوة الحاسمة نحو تحـقيق الإصلاح المنشود،و من بين ما تمة الدعوة إليه في هذا الإطار التنصيص صراحة على السلطة القضائية كسطة مستقلة ،و تعميم الحماية من العزل و النــقل إلا بمقتضى القانون ليشمل القضائين الواقف (النيابة العامة) و الجالس و استبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء مع تمتيع الأخير باستقلال مالي و إداري.

ثالثا: تقوية دورالمفتشية العامة لوزارة العدل
و ذلك بتمكينها من كافة آليات التفتيش القضائي و تعزيز دورها الريادي في النهوض بقطاع العدل ،و نشر تقاريرها السنوية مع جعلها محطة للنقـــاش و الحوار البنائين من طرف كافة المعنيين للوصول إلى الحلول البديلـة لأي معيقات قد توجد في سبيل المشوار الإصلاحي، و لأجل تشجيع محاكم المملكة و الدفع بها نحو البحث و الإبتكار من خلال التعريف بمجهوداتها و مكافأة الأفضل فيها،مع نشر ذلك بغية خلق جو من المنافسة الشريفة فيما بينها.

رابعا: الطاقات البشرية
بالإضافة إلى ما قلناه بخصوص ضرورة تحسين المستوى المادي للقضاة،نودي بتمتيع هولاء بضمانات أساسية أخرى تتجلى في منحهم الحق في التعبير و الأجتماع و تأســيس الجمعيات،مع الموازاة مع إصلاح الهيئة الأخرى التي لا تقل أهمية و بذات الوسيلــة و التي هي هيئة كتابة الضبط .دون التغاضي بطبيعة الحال عن باقي أفراد أسرة العدالة كالسادة المحامين و العدول و الـمفوضين القضـــائيين و الموثقين…مع إدخـــال الكل في ورشات الدورات التكوينية الأساسية و المستمرة بما يكفل تطوير القدرات المهنية لهم و جعلها مواكبة لكافة المسجدات و التطورات الوطنية و العالمية،مع الإنفتاح على التجارب الناجحة للدول الرائدة في هذا المجال.
وخلاصة القول فسيادة العدل و حماية الحقوق و الحريات و تحقيق التنمية و الديموقراطية يتطلب شروطا أساسية تتمل في استقلال السلطة القضائية و حيادها، و نزاهة واستقامة قضاتها،وذلك لن يتأتى تحت ظل أنظمة تفرض خضوع القضاة لسلطتها السياسية،و من تم فإنه لا يمكن فصل الديموقراطية عن القضاء،كما لا يمكن فصل نمو الإستثمارات و تحقيق التنمية عن استقلال السلطة القضائية.

المبحث الثاني: المفهوم الجديد لإصلاح القضاء
يحتل قطاع العدل مكانة خاصة لدى جلالة الملك الذي يوليه عنايته السامية،و أكد جلالته مرارا عزمه على مواصلة إصلاح القضاء ليستجيب لمتطلبات العدل و التنمية باعتبار أن دولة الحق و المؤسسات لا يمكن ترسيخ دعائمها و تقوية أسسها إلا بوجود قضاء عادل و نزيه يقوم بالدور المنوط به على أحسن وجه.
و نظرا لما يكتنف مفهوم العدالة من غموض،إذ تضاربت الآراء و الأطروحات و وجهات النظر بخصوصه،حيث أعطاها البعض بعدا سياسيا تهدف إلى حماية الحريات السياسية و الحقوق الطبيعية. بينما أعطـاها البعض الآخر بعدا إقتصاديا باعتبارها تسعى إلى التوزيع العادل للثروات،في حين ربطها آخرون بالدور الذي تقوم به في محاربة الجريمة و حماية المجتمع.
و في خضم هذا الزخم من التعريفات المتنوعة للعدالة،قدم جلالة الملك إقتراحا آخر و مفهوما جديدا للعدالة،هذا المفهوم الذي لم يأتي من فــراغ أو عدم، وإنما كمرحلة متقدمة و ناضجة لمسلسل إصلاحي نهجته البــلاد بطريقة جديدة و جدية منذ إعتلال جلالة الملك لعرش أسلافه الميامين.
و قد كشف جلالته عن هذا المفهوم في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة و الذي هو ” القضاء في خدمة المواطن “. حيث أوضح جلالته بهذا الخصوص أنه << و على غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة الهادف لحسن تدبير الشأن العام فقد قررنا أن نؤسس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة ألا و هو “القضاء في خدمة المواطن”>> كما أكد أن السلطة القضائية بقدر ما هي مستقلة عن الجهازين التشريعي و التنفيذي ،فإنها جزئ لا يتجزأ من سلطة المملكة،وسيادة قوانينها،و حماية حقوق التزامات المواطنة. و ألح جلالة الملك في هذا الصدد على < أن حسن تنفيذ مخططنا للأصلاح العميق و الشامل لمنظومة العدالة،لا ينحصر فقط في عمل الحكومة و البرلمان ، إنما هو رهين،أساسا ،بالأداء المسؤول للقضاة > كما أضاف أنه < تجسيدا لعزمنا الراسخ على توطيد سلطة الدولة علــى دعائم سيادة القانون،وسمو القضاء الفعال،فإننا نؤكد على أن المفهوم الجديد للسلطة الذي أطلقناه في خطابنا المؤسس له بالدار البيضاء في أكتوبر 1999 يظل ساري المفعول > و في ذات السياق قال وزير العدل السيد محمد الطيب الناصري يوم 11 أكتوبر 2010 أن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلن عنـه جلالة الملك محمد السادس يكرس في الواقع البعد الإجتماعي للقضـاء باعتباره الساهر على سيادة القانون و الضامن لحماية حقوق و التزامات المواطنة،و كذا العامل الفعال للإسهام في تحقيق التنمية.
كما أوضح السيد وزير العدل في كلمة ألقاها بمناسبة التوقيع علـى إتفاقية ثلاثية الأطراف تتعلق ب”برنامج دعم تطبيق مدونة الأسرة من خلال تطوير ولوج النساء إلى خدمات العدالة” أنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية فإن مفهوم “القضاء في خدمة المواطن” هو منطلق برنامجنا و عليه تتمحور مخططاتنا، و إليه ترمي أهدافنا ،و نعمل في وزارة العدل على تحقيقه على أرض الواقع من خلال إجراءات ملموسة، و خطط مضبوطة.مضيفا أن الخطاب الملكي السامي المذكور يشكل دفعة قوية ،جديدة لإصلاح العدالة ينضاف إلى توجيهات جلالته المتعلقة بالإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة الذي أعلن عنه في الخطاب التارخي ليوم 20 غشت 2009 و في ذات المنحى صرحت السيدة نزهة الصقلي وزيرة التنميـة الإجتماعية و الأسرة و التضامن بمناسبة التوقيع على على الإتفاقية المذكورة بأن مفهوم القضاء في خدمة المواطن الذي أعلنه جلالة المـلك يعتبر إشارة قوية للأهمية القصوى التي تكتسيها العدالة في مسار بناء دولة الحق و القانون ،مضيفة أن المفهوم الجديد هذا يساهم في تعزيز مشروع بناء مجتع حداثي و ديموقراطي،و تقوة دينامية إحترام حقوق الإنسان. و بالرجوع إلى الخطاب الملكي المؤسس للمفهوم الجديد لإصـلاح القضاء سنجده يؤسس هذا المفهوم على مرتكزات و دعائم أساسية تشكل الأهداف المتوخات من تبنيه. و التي إعتبرها الأستاذ سعيد بورمان قــد جاءت لتحل محل ممارسات سلبية كانت سائدة،في محاولة لتجاوز الواقع الذي نعيشه و تعقيداته. هذه الأهداف التي حددها جلالته حين قال بأن الهدف المتوخى من جع ل القضاء في خدمة المواطن هو << قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين،و ببساطة مساطرها و سرعتها،ونزاهة أحكامها ،و حداثة هياكلها،و كفاءة و تجرد قضاتها،و تحفيزها للتنمية،و التزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق و رفع المظالم >>.
و إغناءا لهذا لفصل سنتناول هذه الأهداف المسطرة أعلاه بنوع من التفصيل مخصصين لكل هدف مطلبا منفردا.

المطلب الأول: عدالة قريبة من المتقاضين
إن الحديث عن عدالة متميزة بقربها من المتقاضين لا يعني فقط إعطائها أبعادا مكانية محضة فحسب،أي جعل العدالة -كمؤسسة- قريبة من التجمع السكني للمواطنين تيسيرا لهم للولوج لخدماتها،و رفع العسر و المشقـة التي يتسبب فيه بعد المحاكم عنهم.
فبالإضافة لهذه القيمة المضافة التي أتى بها المشرع مؤخرا و ماتحمله من مزايا تقريب الإدارة من المواطنين، فقرب العدالة المنصوص عليها في الخطاب الملكي السامي تعني كذلك –و بالضرورة- تعزيز مكانة المواطن و الرفع من قيمته، و الإيمان بأنه العنصر الهدف من إنشاء هــذه المؤسسات،و المستحق من الخدمات أجودها وأرقاها. و لأجله يجب أن ينبني ذلك لدى مقدم الخدمة هاتة على واجب مهني قائم على النظم و القوانين،و على واجب أخلاقي مبعثه الشرف و الضمير.و ليس أن يعتبر واجبه هذا صدقة يجود بها على من يشاء،و يحرمها ممن يشــاء، و كأنه السيد و المواطن ليس إلا مجرد عبد !! و بالتالي وجب نهج حسن الإستماع لهؤلاء المواطنين، و تعريفهم بمختلف الخدمات المتوفرة،و إرشادهم نحو قضاء مآربهم بمرونة ويسر كما يجب من ناحية أخرى إعادة النظر في بعض المهام وذلك بتقليــص عدد المتدخلين في القضية الواحدة،إذ لا يعقل تدخل عدة أشخاص في قضية قد يكفي فيها شخصين على الأكثر.
والأخذ بما سلف لا ينبغي له أن يكون موسميا أو مؤقتا ، وإنما أن يظل مستمرا و قائما، بل و أن يعتبر منهجا عمليا،و نظاما واجب التطبيق يحمل على ذات الأساليب التي تصرف به الأشغال اليومية. و تجدر الإشارة إلى أن و وزارة العدل قد اتخذت قرار إحالة ملفـات الأرشيف بمحاكم المملكة إلى المراكز الجهوية للحفظ،فعلى مستوى الدائرة القضائية لإستئنافية ورزازات فالأعمال جارية من أجل إحالة ملفات الأرشيف إلى المركز الجهوي مراكش-أكادير المتواجد بمدينة مراكش.و ما يثيره ذلك من تخوفات لدى المواطنين قاطني هذه الدائرة القضائية،إذ تتطرح عدة تساؤلات حول الكيفية و المدة الزمنية التي ستحال بها و فيها الملفات المطلوبة من طرف المحكمة لضروريتها أو لإرتباطها بملفات رائجة كملفات الغرفة المتعلقة بإدماج العقوبات التي تتطلب توفر الملفين موضوع العقوبتين المطلوب إدماجهما حيث نرى المحكمة تطلب ضم الملفين للبث في الطلب.وكل ذلك و ما يثيرة من إشكال إستجابة المركز لطلبات إرسال الملفات بالسرعة المطلوبة،والحال أنه يستقبل ملفات ثلاث دوائر قضائية!؟

المطلب الثاني: عدالة ذات مساطر بسيطة و سريعة
لقد أمست بساطة المساطر القضائية ضرورة ملحة حتى يكون بالإمكــان الدفع بعجلة الفصل في القضايا الطروحة على المحاكم نحو السرعة المطلوبة،إذ أن بساطة المساطر و السرعة في البث في النزاعات القائمة أمران متلازمان. و لن تتمتع المساطر القضائية بالبساطة إلا حين يتم التقليل من التعقيدات الشكلية التي يعتمد عليها في كثير من الأحيان على حساب المضمون الذي يكون سليما،فبعض هذه الجزئيات الشكلية قد تجعل من المواطن يعود إلى النقطة الصفر ليببدأ مشواره من جديد و التخوف لا يزال ينتابه إن كان قد صادف صواب الإجراءات الشكلية،أم أنه سيسقط في براثين الإغفال من جديد!! و قد نصادف نوعا آخر من التعقيدات حين نجد أن توقيع وثيقة كشــهادة التسليم من لدن شخص بعينه دون غيره إن تم التسليم مثلا داخل جـــدران المحكمة الواحدة.أو رفض أحد الموظفين تلقي تصريح بالتعرض أو الإستئناف أو النقض بذريعة أن زميله بذات المكتب فلان هو المكلف بذلك! مع أن الصلاحية قد تمنح لكليهما ما داما يتمتعان بصفة كاتب الضبط.
و يرى ذ/ سعيد بورمان بهذا الخصوص في المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) مثال في تعقيدات وشكليات عريضة النقض ،مما يسوجب معه ضرورة خلق ثقافة قضائية جديدة تعتمد على بساطة المساطر، وذلك بجرد جوانب التعقيد سواء فيما يخص اللوجيستيك هل هو يستجيـب للغرض الذي وجد من أجله، أو الوثائق والمطبوعات من حيت الشكل والمضمون،ثم بعد ذلك الكشف عن المساطر المعقدة لنصل إلى التحليل باعتماد أفكار ملائمة مع تهييء البدائل والحلول أكثر فاعلية، وتحديد كيفية التتبع والمراقبة وإدخال التصحيحات ومن سيقوم بها، وكل ذلك بهدف تيسير الحياة اليومية للمواطنين وتحسين علاقتهم مع القضاء من جهة، وتسهيل نشاط المقاولة وتمكينها مــن المشاركة في التنمية الاقتصادية من جهة أخرى، لأن تعقيد المساطر والإجراءات الطويلة والمتشعبة والآجال الممتدة تنشأ عنه حالات تنازعية بين القضـاء والمواطنين وتكثر الشكايات والاحتجاجات والبحث عن البدائل، وبالتالي عرقلة نمو المقاولة وضعف الإنتاجية..
و على غرار الحديث عن بساطة المساطر القضائية،نقول أن السرعة هي الأخرى متطبة في كافة مراحل الدعوى حتى نتمكن من إيصال الحقوق لذويها في الوقت المناسب من جهة،ولتدعيم أسس ثقة هؤلاء في الجسم القضائي من جهة ثانية،لأنه ليس من الإنصاف أن يركن مسلوبــوا الحقوق إلى الصمت و الإستسلام و التجرع من كأس الصبر على ما ضاع منهم لمجرد يقينهم أن القضاء لن يزيد الطين إلا بلة،أو أنه في أحسن الأحوال لن يرد من الحقوق أكثر مما ضاع منها. فالسرعة إذن شرط أساسي في المشروع الإصلاحي بمفهومه الجديد، والتي يجب أن تكون بدءا بمرحلة إعداد القضايا أي عدم إهمالها و التماطل في تسجيلها بالسجلات المعدة خصيصا لذلك بغية إحالتها إلى أقرب جلسة مقبلة،مرورا بإجراءات التبليغ إذ يجب إيصال الإستدعـاءات لإصحابها داخل الآجال القانونية تفاديا لتأخير الملفات لذات السبب المتمثل في إعادة الإستدعاء لعدم التوصل كما أن المسؤولية تظل أيضا على عاتق الخبراء لأن الفصل في العديد من القضايا يبقى رهين تقاريرهم التي كلفتهم به المحكمة. دون أن ننسى طبعا دور القضاة و المستشارين في تحرير الأحكام في أوقاتها إذ أن نقطة تنفيذها تبدأ لحظة كون الحكم أو القرار محـررا. و مرحلة التنفيذ تبقى أهم مرحلة إطلاقا لأن إنعدام التنفيذ أو التماطل فيه ـ و كما قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه ـ يجر المرئ إلـــى تفكير آخر و هو إنحلال الدولة.

المطلب الثالث: عدالة ذات أحكام نزيهة
لقد سبقت الإشارة إلى إلى أن موضوع إستقلال السلطة القضائية قد إستأثر بالقدر الهام و الأكبر من اهتمام المعنيين بالإصلاح القضـــائي،هذه الإستقلالية التي وإن كرسها الدستور الجديد ضمن مواده،فإن نزاهة الأحكام تعد الحصن الحصين لها،والتفعيل لها أيضا على أرض الواقع.
و نزاهة الأحكام تقتضي من قضاة الحكم ،وهم ينظرون في القضايا و الدعاوى المعروضة أمامهم الإعتماد على أسس واقعية متفقة مع ما هو منصوص عليه قانونا،دون أية قيـود، أو تـأثيرات،أو تهديدات،أو إغراءات،أو ضغوطات مباشرة و غير مباشرة. و يجب أن يظل مبعث ما أشرنا إليه أعلاه هو الرقابة الإلهية بالدرجة الأولى، أي الخوف منه سبحانه و تعالى، ثم استحضار مبادئ الشرف و الضميرين الأخلاقي و المهني.وذلك قبل أتخاذ أي قرار من شأنه المساس و لو بجزء يسير من حقوق المتقاضين الذين جعلوا مصائرهم، و مصائر عائلاتهم بين أيديهم.
فنزاهة الأحكام إذن تعد القلب النابض للجسم القضائي السليم،و هي الحجر الأساس لمجتمع ديموقراطي قائم على آليات و ضوابط قانونية معتمدة على سيادة الحق و القانون،كما انها من الأسباب الداعية إلى قوة الدولة العصـرية و مناعتها . و المساهمة بشكل فعال في التنمية و الإزدهار، و تكريس الأمن و الإستقرا،و تنمية و الرقي بشخصية الفرد داخل محيطه الإجـتماعي،لأن القضاء العادل النزيه يكفل ضمان إحترام الذات الإنسانية،وحفظ التوازن بين مختلف مكونات المجتمع،كما أن القضاة النزهاء هم النبراس المضيء أمـــام الفساد و المفسدين.

المطلب الرابع: عدالة ذات هياكل حديثة
لقد أراد جلالته تبسيط العلاقات بين الناس والمؤسسات القضائية في ظل المتغيرات الضرورية، على أن تكون فاعلة ومؤثرة، وأراد تجاوز الهياكل القضائية وتراكيبها التي حالت حتى الآن دون قيام بناء قانوني يعزز الهياكل القانونية ورفع مستوى الأداء والجودة والخدمات القانونية والقضائية، ورغم الترسانة القانونية فإن آليات تطبيقها غير متوفرة بالشكل الكافي لغياب الوسائل التكنولوجية والإلكترونية التي تساعد على تحديث العمل الــقضائـي، ناهيك عن عدم وجود الأطر المؤهلة والمتخصصة تقوم بعمليات مدققة لها علاقة بقوانين فنية وتقنية تتطلب وفرة المعلومات في مجال التجارة والأعمال والمالية والاستثمار.

المطلب الخامس: كفاءة القضاة و تجردهم
إن الحديث عن هذا المطلب يستدعي منا التطرق إلى نقطتين أولاهما كفاءة القضاة،و الثانية لتجردهم اثناء مزاولتهم لمهامهم. فبالنسبة للنقطة الأولى،فنرى أن الكفاءة الواجب توفرها في القاضـي تستلزم أساسا متينا يتمثل في الإنتقاء الموفق للفئة التي ستتحمل جسامة هذه المسؤولية التي ستلقى على عاتقهـم،و المتفهمة للرسالة التي يسـعى القضاء إلى تبيلغها،و الدور الواجب القيام به.
و في اعتقادنا المتواضع فالعمل داخل المؤسسة القضائية كقاض ليس بالأمر الهين أو اليسير،لما يتطلبه ذلك من حنكة و تجربةوممارسة عملية،إلى جانب المعرفة العلمية النظرية،و لا نظن أن السنتين التي يقضيها الملحقين القضائيين الأحرار في التمرين كافية لجعلهم جاهزين بالشكل الكافي لتحمل أعباء مهنتهم الجديدة.و مـن و جب إعادة النظر فـي هذه المدة الممنوحة لهذه الفئة،مع إعطاء الفرصة للعاملين داخل الفضــاء القضائي للولوج لمهنة القضاء بشروط تفضيلية، ككتاب الضبط، و المحامين،و المفوضين القضائيين،و العدول شريطة توفرهم على الشواهد المطلوبة قانونا،و تجربة ميدانية لا تقـل عشر سنوات.
وعليه يجب إعادة النظر في القانون المنظم لمبارة الملحقن القضائيين أخذا بعين الإعتبار ماسلف، إلى جانب شروطا أخرى كالسن المقترحة و عدد المرات الممسموح بها لإجتياز هذه المباراة. و الكفاءة تنبني على أسس و معايير يمكن إجمالها في القدرات المهنيية و اللغوية و التنظيمية التي يتمتع بها القاضي ،والطريقة التي يتبعها في تصريف الأشغال الموكولة إليه،و كذا المدة التي تقضيها القضايا بين يديه. ثم جودة التعليلات التي يعطيها للأحكام و القرارات التي يتخذها،و بعدهـا القدرة الإنتاجية التي يتمتع بها مقارنة بزملائه في العمل و ما يبذل فـي سبيل ذلك من جهد و عطاء. و جدير بالذكر أن السلوك الشخصي للقاضي، و انضباطه و تعامله من الغير و مظهره الخارجي
كلها دعائم لا تقل أهمية،ولها أثر فعال في بناء شخصية القاضي التي يجب لها،و عليها أن تفرض كل الإحتـرام و التقدير. و لنا أيضا في المساهمات العلمية من مؤلفات و المشاركة في النـــدوات معيارا آخر لقياس كفاءة القضاة،و ما يساهم فيه ذلك من نشر الثقافة القانونية بأسلوب يجمع بين النظري و العلمي،عكس ما تقدمه لنا الدراسات الأكاديمية المحضة ـ و نحن لا ننكر أهمية هذه الدراسـات ـالتي تركز على الجانب النظري و حسب.
و فيما يخص النقطة الثانية المتعلقة بالتجرد،فيمكن القول أنها تنبنـي الحياد و عدم انحياز القاضي و هو ينظر فيما يعرض أمامه من قضايا إلى فرد أو جماعة أو تيار معينين. و التجرد في الواقع ليس إلا المرآة العاكسة لمبدأ اإستقلالية المفترض أن يتمتع بها الجهاز القضائي و المكرسة قانونا بمواد الدستور الجديـد، و التي تستوجب عدم الخضوع لأي مؤثرات كيفما كانت،و الإعتماد فقط على ما وصل إليه الوجدان الداخلي و القناعة الشخصية للقاضي و المبنية طبعا على الأسس الواقعية و القانونية للنازلة. ولتفعيل مبدأ التجرد هذا لابد من تحقيق الضمانات الأساسية لذلك كــعدم جعل التنقيلات التعسفية،و الإجراءات الإنتقامية المؤثرة على الترقيـات و عدم الإستجابة لطلبات الإنتقال الشخصية متى توفرت شروطها، و كذا إرهاق القاضي بكثرة التوضيحات عن قضــاياه، مطرقة فوق رأسه تهـدده على و جه الدوام.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-