هيئة كتابة الضبط عمود اصلاح منظومة العدالة

أهمية ومكانة كتابة الضبط في اصلاح منظومة العدالة


أهمية ومكانة كتابة الضبط في إصلاح منظومة العدالة
دور هيئة كتابة الضبط في اصلاح منظومة العدالة



المقدمة
يعتبر ورش إصلاح منظومة العدالة من الاوراش الكبرى التي انخرطت فيها المملكة المغربية بكل حزم من أجل إدخال إصلاحات عميقة وشاملة على النظام القضائي المغربي في إطار ميثاق وطني شامل للعدالة، وذلك تحقيقا لأهداف الألفية المتمثلة أساسا في تحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ووعيا منه بأهمية هذه الإصلاحات في ترسيخ دولة الحق والقانون فقد ركز الملك محمد السادس ما مرة في عدة خطب متتالية كان أخرها خطاب ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2009 التي حدد فيها ستة محاور أساسية تشكل المرجعية الخصبة لأي إصلاح يطال منظومة العدالة وتتمثل في تعزيز ضمانات استقلال القضاء وتحديث المنظومة القانونية وتأهيل الهياكل والموارد البشرية والرفع من النجاعة القضائية وترسيخ التخليق وحسن التفعيل. وهي محاور اعتمدت عليها اللجنة التي كلفت بإعداد دستور المملكة الجديد الذي بدا واضحا فيه إقراره بمبدأ استقلال السلطة القضائية.
إن إقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدستور الجديد لا يخلو من ضرورة الحديث عن موقع هيأة كتابة الضبط وتحديد موقعها بين هذه السلط الثلاث، ومن ما لا يختلف فيه اثنان أن كل المهام التي يقوم بها كتابة الضبط هي مهام إدارية تنفيذية غير قضائية إلا ما يتعلق منها بتنفيذ بعض الأوامر القضائية، ومن ثم فهي تخضع للسلطة التنفيذية في حين أن القضاة يتبعون للسلطة القضائية.
وبناء على ذلك يمكن تقسيم أسرة العدل لثلاث أقسام رئيسية، يتمثل القسم الأول في القضاة والقسم الثاني في كتابة الضبط والقسم الثالث في المهن الأخرى المساعدة للقضاء، وفي هذا الصدد تعتبر كتابة الضبط صلة الوصل والعمود الفقري بين مختلف الفاعلين في حقل العدالة إنجاحا للعملية القضائية، وتحقيقا لمبدأ القضاء في خدمة المواطن.
ومع أن لهيئة كتابة الضبط دور أساسي في تحريك عجلة منظومة العدالة فإن هذه الهيئة عانت وما زالت تعاني من العديد من المشاكل أهمها النظرة الدونية التي تطبع هذه الهيئة منذ تنظيمها في المغرب نظرة تؤدي بشكل أو بآخر إلى إهدار كل الطاقات والكفاءات وجعلها مثل الآلة تشتغل بصمت دون أن تساهم في أي إصلاح للعدالة. لكن اليوم نحن الشباب الطموح والواعون والمطالبون بالتغيير تغيير كل أنماط الإدارة التقليدية واجتثاث كل معاني البيروقراطية من إداراتنا ومؤسساتنا نحن شباب هيئة كتابة الضبط وبروح وطنية عاليا نقول نعم لإصلاح منظومة العدالة لكن لا وألف لا لإصلاحها دون إشراك هيئة كتابة الضبط.
وعليه واستجابة للرسالة الدورية للسيد وزير العدل والحريات عدد 29 س 1 بتاريخ 22 يونيو 2012 آثرنا إلا أن نبدي وجهة نظرنا حول إصلاح منظومة العدالة، وذلك وفق منهجية أكاديمية قائمة على محورين أساسيين:
المحور الأول: الوضعية الحالية لهيئة كتابة الضبط معتلة ولا ترقى للتطلعات
المحور الثاني: إصلاح منظومة العدالة رهين بتعزيز مكانة هيئة كتابة الضبط

المحور الأول: الوضعية الحالية لهيئة كتابة الضبط معتلة ولا ترقى للتطلعات
إن رصد وضعية كتابة الضبط ووضع اليد على مكامن الخلل والعراقيل هي التي ستساعدنا لا محالة في تبني اقتراحات بنيوية دقيقة من أجل الارتقاء بأهم مكون من مكونات العدالة. ومن أجل تحليل هذا المحور ارتأينا تقسيمه إلى مطلبين: نتعرف في المطلب الأول على وضعية كتابة الضبط ، وفي المطلب الثاني إلى مكانتها في منظومة العدالة.

المطلب الأول: التعرف على وضعية كتابة الضبط
إن وضعية كتابة الضبط بمحاكم المملكة لا تشكل حالة استثنائية في السياق العام للازمة التي تعاني منها الإدارة بوطننا العزيز، وإن كانت منابع الأزمة فيها أكثر جلاء من غيرها من الإدارات الأخرى لارتباط المحاكم مباشرة بحقوق المواطنين. وتتمثل مظاهر الهشاشة التي تعرفها هيئة كتابة الضبط فيما يلي:

 1 - من حيث الجانب المادي 
رغم المجهودات التي بذلتها وزارة العدل والحريات من أجل تحسين الوضعية المادية لموظفي هيئة كتابة الضبط، وذلك بإصدار مرسوم القانون الأساسي لهيئة كتابة الضبط، إلا أن هذا القانون جاء مع الأسف دون تطلعات موظفي هيئة كتابة الضبط على مستوى التحفيز، والذي لا مناص من كون أن التحفيز ينصرف مفهومه إلى صرف تعويضات عن مختلف الأعباء التي يقوم بها هؤلاء الموظفين على مستوى قيامهم بمهامهم. وفي هذا الصدد ورغم الزيادات المهمة التي جاء بها هذا القانون الأساسي إلا أن أطر هيئة كتابة الضبط يطالبون بإقرار تعويضات عن الديمومة وساعات العمل الإضافية وكذلك تعويضات أخرى عن الأعباء وذلك تحصينا لهم من كل الإغراءات.

2 - من حيث الجانب المعنوي 
على المستوى المعنوي ما زال أطر هيئة كتابة الضبط يعانون الكثير من المشاكل الناتجة عن النظرة التاريخية الدونية التي بصمت على هيئة كتابة الضبط منذ إحداثها في التنظيم القضائي المغربي، والحال أن كاتب العدل في الإسلام كان يتمتع بما يتمتع به القاضي نفسه من الحقوق والامتيازات، ولا ينظر إليه ككاتب للقاضي بل يتبوأ نفس مكانته.
إن هذه النظرة الدونية التي تطبع كاتب الضبط أينما حل وارتحل تؤثر على عطائه كإطار يمتلك كل المؤهلات التي تجعله لا يشارك فحسب في الحوار الوطني لإصلاح العدالة بل أيضا المشاركة في كل المؤتمرات والملتقيات الدولية لتبادل الخبرات في مجال كتابة الضبط على المستويات الدولية والوطنية والمحلية، ومن ثم تحقيق هدف اسمي يتمثل في النهوض بمنظومة العدالة.

3 - من حيث الجانب الهيكلي 
إن كتابة الضبط تعرف على المستوى الهيكلي العديد من المشاكل التي لا محيد من محاولة تجاوزها وحلها في أي إصلاح للقضاء، وتتمثل هذه المشاكل خصوصا في وجود فراغ تشريعي كبير لا مثيل له في كافة الوظائف العمومية، ويتمثل هذا الفراغ في عدم وجود قانون لتنظيم هيكلة كتابة الضبط داخل المحاكم، وكل ما هناك منشورات وزارية قديمة لا ترقى لمستوى القوانين، وقد تجاوز عليها الزمن ويجب أن يتم تغييرها في إطار وضع قانون ملحق بالنظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط يحدد هيكلة واضحة لكتابة الضبط، ويضع حدا للتداخل بين المكاتب والشعب والأقسام.

4 - من حيث الاختصاصات
إن تحديد الاختصاصات وتوصيف المهام لمن بين أهم المشاكل التي تعاني منها هيئة كتابة الضبط، صحيح قول القائل بأن هذه الاختصاصات محددة في النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط، إلا أن القارئ المتبصر يلاحظ تداخل رهيب بين الاختصاصات لدرجة أن السائل عن الفرق بين إطار منتدب قضائي من الدرجة الثانية وكاتب الضبط، بل وعون الجلسة لا يتعدى مجرد فرق في الأجر الشهري بحيث أن المنتدب القضائي من الدرجة الثانية يتقاضى كذا في حين أن كاتب الضبط يتقاضي اقل منه. وهذا الأمر انعكس بشكل كبير على عطاء موظفي وموظفات هيئة كتابة الضبط، كما أدى إلى نتائج غير محمودة على مستوى تداخل الاختصاصات بين كافة اطر هيئة كتابة الضبط..

المطلب الثاني: التعرف على مكانة كتابة الضبط
إن أي حديث عن إصلاح منظومة العدالة في غياب تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لأطر هيئة كتابة الضبط محكوم عليه بالفشل، ذلك أن هيئة كتابة الضبط هو العمود الفقري للعملية القضائية بأسرها، إذ لديه تودع الملفات، وهو الشاهد الأمين والعدل على كل ما يروج في الجلسات التي يمنع القانون انعقادها في غيابه، كما يعتبر الأمين الذي لديه تحفظ كل الوثائق التي تثبت الحقوق، والمنفذ لكل المقررات القضائية الذي يبعث فيها الروح فيحق الحقوق لأصحابها، ويسلمها لهم بكل أمانة وصدق وإخلاص.
فأ يا من تطالبون بإصلاح العدالة، ويا من تؤمنون بالعطاء والتقدم ومشاركة أهل العدالة في صياغة قوانينها، هلا أشركتمونا في الحوار، وهلا استشرتمونا في وضع قوانين المسطرة المدنية والجنائية والقوانين المسطرية الخاصة، حتى نغنيكم باقتراحاتنا، لأننا بكل بساطة أهل الميدان، أهل العدالة، وأهل لأن تسمعوا صوتنا صوت أريد له أن يبقى مطموسا إلى الأبد.

المحور الثاني: إصلاح منظومة العدالة رهين بتعزيز مكانة هيئة كتابة الضبط
إن إصلاح منظومة العدالة إصلاحا شاملا وعميقا كما ورد في خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 2009 لا يمكن أن يتم دون إشراك كل الفاعلين في حقل العدل، وإن هيئة كتابة الضبط لتعتبر عنصرا فاعلا مع الكل، وإن أي إصلاح لا يمكن أن يكون عميقا وشاملا رهين بتعزيز مكانتها ودورها في هذه المنظومة. ومن أجل الخوض في هذا المحور لابد من تقسيمه إلى مطلبين أساسيين، نتطرق في المطلب الأول لمبادئ إصلاح هيئة كتابة الضبط في إطار إصلاح منظومة القضاء، بينما نخصص المطلب الثاني لأهم الاقتراحات.

المطلب الأول: مبادئ إصلاح هيئة كتابة الضبط
إذا كان إصلاح منظومة العدالة بحاجة إلى إشراك هيئة كتابة الضبط وإصلاحها، فإن هذا الإصلاح رهين بتحقيق أربع مبادئ أساسية، وتتمثل في مبدأ الاستقلالية ومبدأ الوحدة ومبدأ التحصين والتحفيز، ومبدأ التخليق والتأهيل.

المبدأ الأول: مبدأ استقلالية هيئة كتابة الضبط
لم ينص المرسوم المنظم لهيئة كتابة الضبط على استقلالية هذه الهيئة عن السلطة القضائية، وهذا الوضع يخلق ارتباكا على مستويين: المستوى الأول ويتعلق بالعلاقة بين كتابة الضبط والقضاة، وهي علاقة يجب أن يطبعها الاحترام ويسودها الود والإخلاص والروح الوطنية، إلا أنه يلاحظ من بعض القضاة الذين يحنون إلى الأزمنة التقليدية الغابرة التي كان فيها القاضي يأمر وينهي كاتب الضبط، لدرجة أن المواطنين ينادون كاتب الضبط بكاتب القاضي، وهذا يشكل استفزازا خطيرا لكل أطر وموظفي هيئة كتابة الضبط، ومن هذا المنطلق فإننا ندعو المشرع إلى تصحصح هذه التسمية باعتماد اسم أمين المحكمة بدلا من كاتب الضبط من جهة، والعمل على إصلاح قوانين المسطرة المدنية والجنائية التي تقلل من أهمية كتابة الضبط كإحدى الركائز الأساسية لمنظومة العدالة. أما على المستوى الثاني فإن هذا الوضع يخلق أزمة خطيرة بين المواطنين الوافدين على المحكمة والموظفين والأطر العاملين بها من حيث انعدام الاحترام الواجب للموظفين، ومناداتهم بكتاب القضاة وهو ما يساهم شيئا فشيئا إلى جانب ضعف في إفشال كل الطاقات الواردة على القطاع ويضطر معظم الأطر إلى مغادرة هذه الهيئة إلى وظائف أخرى تحقق طموحاتهم.
إن مبدأ استقلالية هيئة كتابة الضبط وعدم إخضاعها للوصايا مهما كان نوعها، باستثناء وصاية وزارة العدل والحريات باعتبار هذه الهيئة تابعة لها من الناحية الإدارية والمهنية. وفي هذا الصدد وتكريسا لمبدأ استقلالية كتابة الضبط يجب الاهتمام أكثر وأكثر بإشراك هذه الهيئة في جميع مشاريع إعادة النظر في القوانين المسطرية حتى تبدي وجهة نظرها حول مختلف هذه القوانين.

المبدأ الثاني: مبدأ الوحدة
ان مبدأ الوحدة المقصود به هو وحدة كتابة الضبط، أي العمل على ازالة ازدواجية كتابة الضبط وتقسيمها الى كتابة النيابة العمة وكتابة الضبط، لما لهذا التقسيم من تأثير على تناسق العمل داخل المحكمة الواحدة.
المبدأ الثالث: مبدأ التحصين والتحفيز
المبدأ الرابع: مبدأ التخليق والتأهيل

المطلب الثاني: اقتراحات بشأن إصلاح هيئة كتابة الضبط
إن إصلاح كتابة الضبط باعتبارها لبنة أساسية من لبنات إصلاح منظومة العدالة بصفة عامة يحتاج إلى مبادرة حقيقية من أجل إقرار مجموعة من الاقتراحات التالية:

أولا على مستوى التحفيز والتحصين
•العمل على إقرار تعويضات إضافية لموظفي هيئة كتابة الضبط خاصة التعويضات عن ساعات العمل الإضافية وعن أيام الديمومة وصرف تعويضات لكل فئة من موظفي هيئة كتابة الضبط حسب مهام كل فئة، بحيث يصرف لموظفي التنفيذ الزجري التعويض عن التنقل ولكتاب الجلسات تعويض عن البذلة وهكذا.
•إعادة تسمية كتابة الضبط بتسمية أمانة المحكمة أو أمانة الضبط لما تشكله هذه التسمية التي بصمت كتابة الضبط منذ إحداثها في التنظيم القضائي المغربي وقوانين المسطرة من اهانة لها ولأطرها، خاصة تلك الاهانات المباشرة التي يتلقونها من المواطنين والوافدين على المحكمة بشكل عام من كون كاتب الضبط مجرد كاتب القاضي.
•دعم آليات التواصل داخل المؤسسة والتي هي المحكمة من خلال إحداث جمعية عمومية لمناقشة كل ما يتعلق بالمحكمة وتجمع كل قضاة وموظفي ومساعدي القضاء باعتبار أن كل الفاعلين في منظومة العدالة لحمة واحدة وأسرة واحدة ألا وهي أسرة العدالة.
•الاهتمام بتكوين كل أطر كتابة الضبط لا من حيث التكوين الأساسي ولا من حيث التكوين المستمر، وعلى أساسه يجب إحداث المعهد العالي للقضاء والمهن القضائية، والذي يجب أن يتخرج منه جميع مكونات العدالة كل حسب تخصصه حتى يلج مهنة من مهن العدالة.

ثانيا: على مستوى تنظيم هيكلة كتابة الضبط
•إقرار مبدأ وحدة كتابة الضبط وذلك بأن يتم تجميع كتابة الضبط في المحكمة الواحدة واعتبار رئيس كتابة الضبط رئيسا واحدة داخل المحكمة يتبع في تسلسله الإداري للسيد المدير الفرعي على مستوى الدائرة والذي يتبع بدوره إلى المدير الجهوي ثم وزارة العدل، وذلك تحقيقا لهدفين أساسيين: تعزيز استقلال السلطة القضائية التي تتبع للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من جهة وتكريس استقلالية كتابة الضبط باعتباره جهاز تنفيذي عن السلطة القضائية.
•إعادة تنظيم الأقسام والمكاتب والشعب، وضمان عدم تداخلها في الاختصاصات، وإقرار نصوص قانونية لتنظيمها وكذلك إعطاء صفة المشرف عليها إلى منتدب قضائي يحظى بتعويض عن هذا الإشراف.

ثالثا: على مستوى مكاتب التنفيذ الزجري
في هذا الإطار وتحقيقا لمجموعة من الأهداف المتمثلة بصفة عامة في حماية المال العام من الهدر، ومحاربة جميع أنواع الاختلاسات التي تطال الحسابات الخصوصية، فإننا نقترح إحداث الوكالة الوطنية لتحصيل الديون العمومية والإدانات المالية، على غرار باقي الوكالات العامة التي تحظى بصفة المرفق العام. ومن حيث تنظيم هذه الوكالة، فإنه لا بأس من خضوعها لوصاية وزارة المالية على غرار إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة مع الاحتفاظ بنسبة وزارة العدل من مداخيلها قصد انجاز ورش إصلاح منظومة العدالة.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-